30/03/2020

الكاتب وليد.ع.العايش

فتاة الثلاثة أشهر 

الطريق مكتظة بالوحل ، فليل أمس لم يهدأ المطر ، رافقه عزف منفرد من الرعد على أنغام الموسيقى المنبعثة من غرفة نوم أبي ، من هناك انبعثت أصوات وصرخات لم أسمعها من قبل ، حاولت الاقتراب من ثقب في باب الغرفة فنهرني أخي الأكبر ( عيب يا ولد ... عيب ... ارجع إلى غرفتك ) ، مازالت هذه العبارة تأخذني إلى مجهول ما ، لما نهرني بهذه الطريقة !!! ... 
أودعت أفكاري في زقاق الدار ، طويت دفتري المدرسي القديم ، لسعة برد تأتي على عجل ، امتطيت عصا غليظة علها تساعدني بالتغلب على وحل لم أعتد مقارعته كثيرا ، وها أنا ألثم أول الطريق إلى شجرة الجوز ، نعم لقد حداني شوق لها ، فمنذ أكثر من شهر لم أرها ، وهي أيضا لم تراني ... 
قفزت إلى ذاكرتي قصة قديمة ، رواها لنا المعلم في الصف الثاني ، كانت تحكي عن طفل ضربته زوجة أبيه ذات الوجه القبيح ، وكان يومها الوحل كما هو اليوم ، لكن المعلم قال بأن البرد كان شديدا جدا ، خرج الطفل من المنزل ، لم يكن أبيه هناك ، انتظره على صخرة تبعد نحو مئة متر عن البيت كي يخبره بفعلة خالته ، وكي يجرؤ على العودة إلى البيت ... لكن الطفل بقي هناك فترة طويلة حيث تأخر أباه بالعودة ... 
لست أدري لما أتتني هذه الحكاية الآن ، لكنها تركت جرحا عميقا ك واد سحيق في ذاكرتي ، حاولت انتشال نفسي من هذه القصة العاصفة ، لكنها أبت أن تتركني كي أكمل طريقي إلى مكان موعدي الذي مازال جاثما تحت ظل شجرة الجوز . 
انتصرت على الوحل ، فساورني شيء من الفرح ، قدماي الخفيفتان تخترقانه دونما خوف أو أي تعثر ، أحيانا يختفي ك البرق وتحل مكانه برك الماء ، لكنه لا يلبث أن يعود لمحاربة قدمي من جديد . 
( إلى أين أنت ذاهب يا صديقي ) ، فاجئني الصوت الآتي من خلفي ، إنه نذير ، رفيقي في المدرسة الإبتدائية ، كان شابا في عمري ، أسمر اللون ، كث الشعر ، جميل الوجه ، ولعل أهم ما يميزه تلك الدعابات التي يطلقها بين الفينة والأخرى . 
لقد ارتبكت كثيرا ، فكرت بسرعة في الجواب ، تعطلت كافة عجلات رأسي فجأة ، فأصبحت مجردا من أسلحتي أمامه ( آه منك ... لابد أنك ذاهب للقاء غادة ) ... ضحك هو وضحكت معه ، كيف عرف هذا الملعون ، نظرت إليه فبدا وجهه أكثر جمالا مما عهدته ( لم تغير عادتك فأنت تحب البنات ) ... قالها ثم طبع قبلة على جبيني وغادر . 
انتهى الطريق دون أن أشعر ، شجرة الجوز ترحب بي ، اومأت لي صوب ثلة من الأعشاب بالقرب منها ، هناك كانت تجلس فتاة ترتدي ثوبا أسود اللون ، دنوت منها لعلي أكتشف أمرا ما ، حاولت محادثتها لكنها لم تجبني ، مدت إلي يدها بورقة صغيرة ، وقفت مسرعة ثم توارت خلف الأشجار ... 
بقيت أنا وشجرة الجوز والورقة ننظر إلى بعضنا البعض بشيء من الدهشة : ( غادة لن تعود قبل ثلاثة أشهر ) ... أصابني شيء من الفزع ، صمت قليلا قبل أن التجأ إلى شجرتي ، لففتها بذراعي تاركا فسحة لدموعي كي تندمج مع مطر ليل أمس . 
-----------
وليد.ع.العايش 
٢٨ / ٣ / ٢٠٢٠ م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

. بقلـــــ♥ــــــم الشاعر غازي أحمد خلف

الشاعر شعبي مطفى

يا ساقي كأس ألصبر أسكب وأملأ ولا تسولني ولا دًق باب محاني ولا تعرف مناش أنعاني ساكن وحدي مانعرف جيراني ومن أحلامي مهاجر مكاني نفكًر ألهمً إل...