27/04/2021

الكاتب مجدى متولى إبراهيم

المـبروك

تجده في كل مكان من أرجاء القرية وضواحيها, يهرول هنا وهناك, قدومه قدم سعد يتسابق عليه أهل القرية ليحظى كل منهم بضيافته, يستريحون بجواره, حضوره يخفف عنهم أوجاعهم وهمومهم, يستطيع بيده البيضاء وقلبه الخالي من الدنيا أن يرسم البسمة على الشفاه اليابسة.. اعتاد أن يقضي سحابة نهاره جالساً عند مدخل القرية بالقرب من البحيرة.. حيث البيوت متلاصقة, تتكىء الجدران على بعضها البعض, تتسلل الشمس الذهبية عبر شبابيكها الملونة. 
عيناه كخضار البحر عند الغروب, وجهه كوجه القمر في ليلة البدر, ترتسم عليه لحيته الذهبية, يتدلى شعره على كتفيه يخفيه بشال أبيض, تجده طويل القامة, عريض المنكبين, يظهر ويختفي من آن لآخر ولايعلم أحد من أين أتى.. ذات يوم, كان عائداً بمحازاة البحيرة.. كانت تنتظره أشجان التي ترى فيه صورة ملاكها الوسيم, وجدته أمامها يسير وحده قاصداً طريقه إلى الكوخ.. كاد قلبها يقع بين أضلعها, راحت تزهو بثوبها المورد وهي تتنقل بخطى ممزوجة بدلال.. لم يشعر بها, خطواته الهادئة تمزق أحشاءها. 
صرخت والقت بنفسها في ماء البحيرة, دون أن تدري.. انفرجت اساريرها عندما حملها بين يديه ودلف إلى الكوخ, خطى خطوتين إلى الداخل.. كان الكوخ في حالة فوضى عارمة.. عيناه الصافيتان تطعنان قلبها, يداه الحانيتان تخنقان أنفاسها.. اسبلت عينيها وارتمت على الأرض, كانت الأحلام تداعبها والرغبة تلاحقها, انهيارها التام أصم أذنيها عن سماع صوته وهو يردد:
 ــ "الله حي .. الله حي " .
عندما أفاقت قدم لها كوباً من الشاي.. تمتمت بصوت رفيع وعيناها تحدقان فيه:
ــ لماذا أنقذتني يا مبروك ؟                       
راح في صمت طويل.. بينما يدها تعبث بشعره المنسدل على كتفيه وأردفت                       ــ ما أجمل عينيك!
نظرت حولها, وقد كشفت من جسدها أكثر مما أخفت تحت جلبابها المبتل الكاشف عن نهديها, اقتربت منه, التصقت به وتمتمت: 
ــ أنظر يا مبروك ألم أكن جميلة.
تصبب عرقا.. صرخ في وجهها: 
ــ ماذا تفعلين ؟         
ــ النار يامبروك أريد أن أطفئها.. إن لهيبها يؤلمني. يمزقني.              
ــ ساقرأ لكِ بعضا من القرآن, حتى يهدأ قلبك.      
ــ عجباً ألم تعرف كيف تطفئها ؟ 
راحت يدها تعبث بصدره.. ارتعد جسده.. نهض مذعوراً: 
ــ عرفتها.. عرفتها. 
ــ  هل ذقت حلاوتها ؟                                                                  
 ــ لا....                                                           
ــ لماذا يا مبروك ؟                                                                    
ــ لأنها جريمة محرمة.                                                                               انقبض قلبها وسالت دموعها وهي تحاول تلملم خجلها.. نهضت بمحازاة الشاطيء تضرب الأرض بقدميها, وهي تلهث بحيث بدت أقدامها وكأنها لاتكاد تلامس الأرض, راح يرقبها وهي تعدو حتى اختفت بين الحقول.. وجهه يشع نورا والابتسامة تملأ محياه.

من المجموعة القصصية"الحلم الضائع"
بقلم الأديب/ مجدى متولى إبراهيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

. بقلـــــ♥ــــــم الشاعر غازي أحمد خلف

الشاعر شعبي مطفى

يا ساقي كأس ألصبر أسكب وأملأ ولا تسولني ولا دًق باب محاني ولا تعرف مناش أنعاني ساكن وحدي مانعرف جيراني ومن أحلامي مهاجر مكاني نفكًر ألهمً إل...