وللهروبِ فلسفةَ ٌ أيضاً....
أهرب من خارجي إلى داخلي...
أختبئ من عالم الوحوش والراقصين على جروحي
أهرب منهم إلى داخلي مُنكبّا على آهاتي...
وأناتي أساهرها مرة...
وتسامرني مرات....
أبثها مُرّ شكواي...
وأشكوها شدّة بلواي...
وانقطاع الرجاء من زمن النفاق والدهاء...
وقلة الوفاء...وندرة الأصدقاء....
أهرب إلى داخلي... حيث الرجاء في الخلاص من هذا العناء.....وقسوة البقاء بين وحوش الإنس وألغام اللمز والهمز...ونظرات الجس...وتحيّن الفرص للقنص
أهرب إلى داخلي من خارجي .... فهنا لا انتكاسة لحلمٍ...ولا صدٌ ٍلأملٍ...ولا احتباس لخيرٍ....
أهرب..... من أنياب الأنانية المفروشة في كل طريق واتجاه...
أهرب.... من سكاكين الغل والحقد المزروع عن يُمنى الإنسان ويسراه...
أهرب إلى داخلي لأكتفي شر الإنسان الذي طغى على خيره...متمنيا سحق غيره.... ليدوس بنعليه جماجم تفضح سره.....
أهرب....
من تفشّي الذل والخنوع
المنتشر في كل الربوع.....
ويلبس ثوب الخشوع!!!
أهرب إلى داخلي ...
من حاضري المُعيب...
إلى تاريخي أُقلّب صفحاته المشرقة بالعز والانتصار والسيادة على كل الأقطار...
أهرب من هذا الحاضر المؤلم المظلم.....المتسمّر مكانه لا يقوى على رؤية طريق المستقبل الذي مزّقه من مفكرة أيامه....
أهرب إلى الماضي المليء بالفخار والدفء وحضن الأمان والانتماء وأُُلفة الخلان
أهرب من الضياع الذي سيّطر وشتّت كل انطلاقات النفس وسموّها وكبّل خيالاتها بالممنوع والخطوط الحمراء وسقف الحريات الدالف سُماً..وكل أصناف المحظورات حسب الأهواء والأمزجة المريضة بكل داء ..من تسلقٍٍٍ على ظهور وأكتاف القيّم ..
أهرب من انفلات المعايير التي طارت بلا أجنحة ....
أهرب من نفسي فلا أجدها إلا بين الأوراق ساكنة صامتة.....
حروفها متلاشية حزينة....لاتكاد تُقرأ!!!
أهرب من أصواتٍ شمطاء تُمزّق رهافة الإحساس والشعور بنعمة السكون...
أهرب من أشكالٍ وصورُ أجسادٍ خلعت ثياب الحياء وأسدلت عليها ثياب الرياء....
أهرب من كل شيء...وللهروب أشكال وأشكال ودوافع خفيّة الحال:
قد يكون تمويها ...خداعا...قد يكون حماية للنفس وتلافيا للخطر..وقد يكون جبناًً..أو شجاعة...قد يكون حياءً ....
عندما أصمت وقت الكلام.... هروب
عندما أتشدق بكلام زائد..... هروب
عندما ألبس ثوبا ليس لي .... هروب
عندما لا أقوى على الصراخ من الألم....هروب
هذه حياتنا عنوانها الدائم الهروب من كل شيء...حتى من أنفسنا نهرب...بل ووسمنا الهروب شجاعة فقلنا في موروثنا الشعبي : الهريبة ثلثين المراجل!!!!
و ليس مهما هروبنا , لأنه مجبول في طبيعتنا وليس معاباً، ولكن المهم أن نعرف : لماذا نهرب؟؟؟...وإلى أين نهرب ؟؟؟؟
ابو حمزة الفاخري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق