04/01/2021

الكاتبة رومي الريس

التقت دانا بمراد في مطلع الستينات من القرن الماضي ...فتاة شقراء، ذات قوام رشيق، عيون زرقاء ساحرة
... من أصول أرمينية 

انتقلت مع أسرتها للعيش بمصر واستقر بهم المقام بحي الزمالك وهو من الأحياء الراقية والجميلة 
بالقاهرة 

كانت لحظة اللقاء بمثابة الحلم فقد وقعا في الحب من النظرة الأولى
وكأنهم أبطال احدي القصص الأسطورية
جمع الحب بين قلبيهما واشتعلت جذوته وتعاهدا علي الحب حتي آخر العمر

 وتزوجا رغم معارضة الأهل و اتفق الزوجان على عدم الإنجاب في بداية الزواج والانتظار لعامين أو أكثر حتي تستقر أحوالهم المعيشية والاقتصادية 

ولكن حدث الأمر وغضب مراد جدا من زوجته فهي لم تلتزم بما اتفقا عليه مع أنها أقسمت لزوجها مراراً و تكراراً أن الأمر كان خارجا عن إرادتها وأنها كانت إرادة الله وعليه أن يرضخ ويسلم بالأمر الواقع ولكنه لم يصدقها فهو شاب طموح وعنده أحلاماً وطموح كبير فهو يحب التمثيل ويتمني أن يحقق حلمه أن يصبح فناناً معروفاً يشار له بالبنان وكان هذا الحمل حجر عثرة في طريقه

وبعد تفكير عميق قرر أن يطلق حبيبته وغادر إلي غير رجعة وطوي هذه الصفحة من حياته
ومضى نحو تحقيق المجد الفني

دخل مراد إلي عالم الفن
وحقق نجاحاً كبيراً فقد كان موهوبا بحق وفرض نفسه علي الساحة الفنية
وسرعان ما علا نجمه
وتصدر إسمه وصوره أفيشات الأفلام السينمائية 

وبعد سنوات طويلة من الكفاح والعمل  ،وكان مراد قد بلغ الأربعين من عمره... أشار عليه أصدقائه المقربين أن يتزوج ويكون أسرة لكي ينعم بحياة مستقرة ويحقق مزيدا من النجاح والعطاء

 ،وبالفعل تزوج من امرأة من خارج الوسط الفني
كانت في الثلاثين من عمرها ومن أسرة أرستقراطية وقد أحبها وبادلته حبا بحب وقد كانت له نعم الزوجة وشجعته علي الاجتهاد في عمله ووفرت له الهدوء والاستقرار لكي يحقق مزيداً من الإبداع و التألق ...

 ومرت خمس سنوات على زواجهما ولم يرزقا بأطفال وأكد الأطباء للزوجين استحالة حدوث الحمل لوجود عيب خلقي في رحم الزوجة فهي تمتلك رحما صغيراً كرحم طفلة 

كانت الصدمة قوية جدا علي الزوجين وخصوصا
مراد الذي كان يحلم أن يكون أبا وأصيب باكتئاب شديد
ولكن صديقه المقرب نادر أشار عليه بالتواصل مع زوجته السابقة دانا 
فمعها ابنه أو ابنته

مراد: ماذا تقول نادر؟
نادر: هل نسيت أنها كانت حامل حين طلقتها؟
مراد: ولكني لا أعرف عنها شيئاً الأن يا صديقي
... إنني حتى لا أعرف إن كانت علي قيد الحياة 
وبدأت رحلة البحث عن دانا واكتشف مراد أنها سافرت إلي بلدها الأم
فقرر السفر إليها
 وفي سرية تامة دون إخبار احد بالأمر سافر مراد ومعه صديقه نادر
وتوصلا إلي مكان إقامتها

رن مراد جرس الباب وقلبه تتسارع دقاته 
فتحت الخادمة الباب وطلب منها مقابلة دانا
ادخلتهما الخادمة واجلستهما بحجرة الإستقبال ثم انصرفت
دخلت دانا عليهما وقد تغيرت ملامحها تماماً فقد صارت ممتلئة القوام وتحول شعرها إلي اللون الرمادي وذبل جمالها وانطفأ 

كانت المفاجأة قوية علي دانا 
دانا: مراد! لماذا أتيت؟
ماذا تريد الأن؟
مراد: والدموع تملأ عينيه... كيف حالك دانا؟
دانا: هل قطعت كل هذه المسافة كي تسالني هذا السؤال؟
كما تراني ... أنا في أحسن حال
مراد : وماذا عنه أو عنها؟
دانا: من تقصد؟
أجاب بصوت خافت:
ابني أو بنتي
ضحكت دانا ثم اغرورقت عيناها بالدموع
وقالت بسخرية:
ابنك أو بنتك
كم أنت وقح!
بعد كل هذا العمر تذكرت؟
هل كنت في غيبوبة؟

جثا مراد عند ركبتيها وأمسك بيديها وقال لها:
أرجوك دانا أريد أن أراه أو أراها ... لا تحرميني من رؤيته /رؤيتها
ثم بكى ووضع وجهه بين يديه 

نظرت دانا نحوه باحتقار
وقالت له: هل تذكر حين رجوتك ألا تتركنى وتترك طفلنا الصغير ولكنك لم تبال لدموعي
ولم تتحرك مشاعرك و كأن لك قلبا من الحجارة
...حسنا لن أكون مثلك أيها البائس

سوف أحضره لك
نادت الأم علي ابنها
وكان شابا في أوائل العشرينات ... وسيما ويشبه والده كثيرا 
وله عينان بنيتان تماماً
كعيني والده
دخل الشاب إلي الحجرة
وكان مراد واقفاً وهو في حالة ذهول 
نعم أمي ...ما الأمر؟
دانا: هل تري هذا الرجل البائس الواقف هناك... وأشارت إلي مراد
نظر الشاب نحوه في تعجب
من يكون أمي؟
إنه والدك
صعق الشاب وخر علي الأرض
هرول الأب نحوه واحتضنه بقوة
فقام ابنه بإزاحته بعيدا ...عنه واشاح بوجهه بعيدا
وقال لأمه: أبي ... ماذا تقولين؟
... هذا الرجل
ونظر نحوه في اشمئزاز
أنا لا أعرفه أنا ليس لي أبا غير ( بدرو ) هو من رباني وعلمني كل شيء
...نعم هو مات ولكنه هو
كان كل شيء بالنسبة لي
حتى أنه قد ترك لي ثروته رغم أني لست ابنه من صلبه هو من علمني كل شيء وحين نطقت كلمة بابا أول مرة كانت له
هو من علمني الكلام ،المشي ، حين ذهبت إلي المدرسة لأول مرة كان معى وهو من كان يذاكر لي ويسهر معي حين امرض لم يكن أبا لي فقط بل كان اخا و صديقا 

 لن انساه ما حييت وفر هارباً من المكان والدموع تنهمر من عينيه كالشلال أما هذا الشخص الواقف أمامي فأنا لا أعرفه علي الإطلاق

نظرت دانا بشماتة نحو مراد واحست بنشوة الإنتصار وكان مراد  يقف في مكانه كالتمثال   وكأنه أصابته صاعقه من السماء وأشارت له بإصبعها أن يغادر

خرج مراد ومعه نادر الذي لم ينطق حرفا واحدا يجران أذيال الخيبة

رجع مراد إلي مصر وهو يشعر بألم لا يحتمل لقد انتقم الله منى لم ارحمها حين كانت في أمس الحاجة لي وهي لها كل الحق فيما فعلت
إنني لا استحق أن أكون أبا بعد أن تخليت عن ابنى

وعاش مراد ما بقى له من العمر وهو يشعر بالذنب نحو دانا ونحو ابنه الذي لفظه من حياته وعلي الرغم من أنه وصل إلي قمة المجد
والشهرة في عالم الفن
إلا أنه كان يشعر بأنه أتعس و اشقي إنسان على وجه الأرض

 وكثيرا ما كان النقاد والجمهور يتعجبون ما سبب هذه النظرة الحزينه في عينيه ؟
 ...فهم لم يعرفوا بوجود هذا السر الكبير في حياته وأنه سبب تعاسته و شقائه
     بقلمي رومي الريس
بعنوان (السر الكبير)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

. بقلـــــ♥ــــــم الشاعر غازي أحمد خلف

الشاعر شعبي مطفى

يا ساقي كأس ألصبر أسكب وأملأ ولا تسولني ولا دًق باب محاني ولا تعرف مناش أنعاني ساكن وحدي مانعرف جيراني ومن أحلامي مهاجر مكاني نفكًر ألهمً إل...