بعنوان : ## قوافل الوجد ...##
قراءة وتحليل : ذ/ العربي ازعبل .
اخترت هذه القصيدة الروعة من بين العشرات من القصائد المشاركة في مسابقة : مجلة ملوك الحرف لهذا الشهر ؛ والواقع أني هنا أمام قصيدة/ تطرح اشكالية( الشاعر بين شكل القصيدة سواء منها النثرية أو العمودية ، والمضمون وليس الموضوع ! ) فالأديبة الشاعرة عائشة نعمان ؛ استفزت مرة أخرى قراءها بقصيدة نثرية في غاية الأهمية( شكلا فنيا ) فإذا كان الشعر العمودي أو القصيدة العمودية تتميز بشكل فني عام معروف لدى الدارسين والمهتمين والنقاد منذ الجرجاني وشوقي ضيف من القدامى وآخرين معاصرين ؛ والمرتكزة خصوصا على الصورة الشعرية والوزن والقافية والبحر العروضي المختار واللفظ الموسيقي واللغة وفروعها من حيث البلاغة من علم البديع وعلم البيان ؛ فإن ( القصيدة النثرية) تضعنا أمام إشكالية كبيرة اولا من حيث التعريف .
فما المقصود ب( القصيدة النثرية)
هل هي " الشعر الحر الذي لا يخرج كثيرا من حيث الشكل الفني للقصيدة عن أوزان العروض الخليلي الا على مستوى الصورة الشكلية في سبك مقاطع النص/ القصيدة على اعتبار أن هذا النوع ردة فعل على" عدد" التفعيلات الواجب الإلتزام بها حسب كل بحر شعري كما هو معروف لدى خليل بن أحمد الفراهدي ! فهو حر فقط في اختيار عدد هذه التفعيلات !!
أم أننا أمام "شعر نثري" يتمرد فيه الشاعر عن كل ما له علاقة بالبحور الشعرية مكتفيا بالموضوع والشكل و الإعتماد على الوقع العاطفي والموسيقى الخارجية للنص في البوح للتأثير على المتلقي/ المخاطب أو المرسل إليه النص !!
ثم هل بإمكاننا الحكم على كل أنواع وأنماط الشعر النثري حكما فنيا دونما الحث على ضرورة " تسمية الأشياء بمسمياتها " ؟! لأن الشعر خصوصا ذاتي ؛ والتعبير بالشعر أبلغ في نظري من التعبير بالمرسل من الكلم !! فنلاحظ اختلاطا بينا بين الأغراض..فلا القصيدة خاطرة ولا غزلا ولا وصفا ولا غير ذلك ! مما يطرح اشكالية العلاقة بين شعر وشعر وبين النثر العادي والشعر ! بحيث تصبح الخطابة قصيدة ! وتصبح الخاطرة قصيدة ....فقط ما يتغير هو : الشكل.
هنا تستفزنا الشاعرة المحترمة:عائشة نعمان بقصيدة نثرية رائعة شكلا ومضمونا وموضوعا؛ حيث جددت في الشكل الفني للنص/ القصيدة النثرية ومن حيث الموضوع حيث اختارت كعنوان لنصها مثلا( قوافل الوجد)
غير مبتدل ولا مألوف لدى القراء ..ثم المضمون ؛ مضمون النص وفكرته الرئيسة ...هنا جمعت بين حالات نفسية غريبة في حبكة متراصة الحلقات يشد بعضها بعضا كأنه بنيان مرصوص لتتحدث عن : الصمت ولغته/ عن القلق والتوتر/ عن الزمن دون المكان في انتفائية مقولة: زمكانية النص ! على اعتبار أن الشاعر لا تقصد بهذه القصيدة الحديث عن ( أنا ) '/ المتكلم فقط بل بالعكس ترسل صورة إنسانية / صورة الإنسان المعاصر ؛ التائه بين مد الظروف والأحداث وجزر العادات وما ألفه المرء قبل سنوات فقط من عمر الزمن .....
إعتماد الشاعرة ( عائشة نعمان) الكلي على الشكل الفني للقصيدة أكسبها ابداعا خاصا باختيار " حرف القافية" أو الحرف " القفل" لأشطر القصيدة مزايا متعددة ( حرف القاف) يوحي بالقسوة : قسوة الظروف التي تعيشها الإنسانية كلها دون استثناء ./ مفترق الطرق !!! في لغة وأسلوب سهل ممتنع ...يتجلى ذلك في المعجم الذي اتخذته الشاعرة مطية لبلوغ هدف " الإقناع والتأثير ودق ناقوس الخطر "
ويكفي الاستشهاد هنا بما يلي :
تقول الشاعرة المبدعة في إيجاز مركز :
أجدني أغرق وأغرق
في بحور التعلق
قوافل الوجد في أعماق أعماقي
صارت الأماني في ليل أحلامي تحلق
ترف فيها العين والأحداق ...!!
لم تستعمل الشاعرة كلمة" البحار" بل استعملت كلمة " البحور" وهي تعرف جيدا ماذا تعني ....تعني الشعر !! الغارقة في متاهاته !!!
لنعود مرة أخرى على غرار ما أوحت لنا به الشاعرة العميقة من دلالات في هذه القصيدة / الإشكالية !! القصيدة النثرية الرائعة شكلا على الاقل مع بروز مدارس جديدة تنظر لاشكال معاصرة للشعر : مدرسة الومضة الشعرية ومدرسة الهايكو ومدرسة " اكتشاف بحور شعرية جديدة غير المعروفة لدى الفراهدي ومن تبعه من الشعراء مثلا:" بحر على اسم شاعرة معاصرة : " رانا ".... وقد تستحدث بحور وأوزان وأشكال أخرى مستقبلا لأن الشعر يبقى خصوصيا لذات الشاعر وإن رام به غيره ؛ وهذا طبيعي مادام الأبداع البشري واحد على اختلاف أنواعه : المسرح/ الرسم/ النحث/السينما ./.الموسيقى./ الرقص.....الخ ....
لا يسعني هنا الا أن أهنئكم شاعرتنا المبدعة على هذا الشكل الفني الجميل لقصيدتك هذه .وأشكركم على أن منحتمونا لحظة متعة شعرية وأدبية راقية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق