09/01/2022

الكاتب عبد خلف حمادة

•••ربابة بعد منتصف الليل...
••بقلم:عبد خلف حمادة......
************
كان في العاشرة من عمره،نشب منذ سنته التعليمية الأولى على حب المطالعة،بدأ بمجلة الطليعي ومجلة أسامة وسامر،كان أعمامه معلمو مرحلة أولى،منهم الأصغر كان يؤدي الخدمة الإلزامية،كان يجلب له قصص الأطفال وحتى مجلة الجندي العربي وجيش الشعب عندما صار في سنته الرابعة،كان عمه يصطحبه على دراجته النارية،إلى دوامه المسائي في مدرسة في قرية مجاورة،كان ذكياً جداً ويستوعب بسرعة،وله قدرة على حفظ أي فقرة مجرد قرائتها مرة واحدة،هذا في المرحلة التي كان يُفترض أن تكون مرحلة الحضانة،ولكن في بلدته البعيدة والتي تشكل نقطة تماس على حد الريف الزراعي من البادية أسفل الجبل،لم تكن صفوف ماقبل السنة الأولى موجودة ،
ثم دخل المدرسة،لمع وتألق بسرعة،نبغ في جميع المواد،كان صاحب أول ترتيب دائماً،بدت ألمعيته في الفصاحة والخطابة،وفي التعبير الأدبي،كان يكتب مواضيع إنشائية تضاهي في جودتها ما يكتبها أصحاب الإعدادي والثانوي،وكان أيضاً نابغة في الرياضيات،يحل مسائل الصف السادس وهو أدنى مرحلياً من ذلك بسنتين،يقرأ في كتب طلاب البكالورية النظرية،مع الضبط بالشكل وسلامة النطق،لذلك رشحتة مدرسته لمسابقة روَّاد الطلائع،فبرز وأبدع وفاز على مستوى محافظته،ثم رُشِّح للذهاب إلى دمشق
في مساء ربيعي بارد من آذار،دلفت سيارة بيضاء إلى منزل والده،كان الوقت عشاءً،وقفوا على باب السور(الحوش)_هذا منزل والد محمود
_كان الوالد مريضاً على فراشه،خرجت الأم:
_تفضلوا أخي
أين الملك محمود
نادته أمه:
_اطلع محمود كلِّم عمك
جاء
جاء محمود راكضاً،أمرك عم
_غداً باكراً تأتيك السيارة لتأخذك إلى الرقة،ومن هناك إلى دمشق للمنافسة المركزية،جهِّز نفسك،واحزم
 حقيبتك،نم مبكراً،حتى تستيقظ نشيطاً
مع أول خيوط الفجر الأولى،وقفت السيارة،ودعهُ والداه،ماهي إلا أقل من ساعة،كانوا أمام فرع الطلائع،كان هناك بولمان ينتظر،وقد استعد المشرفون والتلاميذ للإنطلاق في اختصاصات عدة،علوم،اجتماعيات،رياضيات،غناء،موسيقا،مسرح،إلخ....إلخ
انطلقت الحافلة على طريق الرقة حلب القديم،مروا بمدينة الطبقة،نزلوا للإفطار والتسوق،ومشاهدة سد الفرات العظيم،بجسده الشامخ،وعنفاته العجيبة،اشترى الأطفال البسكويت والبوظة والعلكة،انطلق الموكب من جديد،الطبلة موجودة،والأبزاق والأعواد،والأوكارديونات
وغيرها من الآلات الموسيقية،والمواهب موجودة،كانت سوسن رائدة الغناء معهم قبل الاستراحة،سمراء قصيرة،شعرها مقصوص أسفل أذنيها بقليل.
_زوروني كل سنة مرة،حرام تنسوني بالمرة،كانت تترنم بهذه الأغنية،
ولكن بعد أن أقلعوا ووصلوا مسكنة،تساءلوا لماذا سكتت سوسن،لماذا لم تعد تغني نطقت البنت التي كانت تجاورها في المقعد
_رفيق،سوسن منذ أن ترجلنا في الطبقة،افترقت عني إلى سوبر ماركت ومارجعت
انتبه الجميع للخطر،ياالله ما القصة أين ذهبت الطفلة،صدر الإيعاز إلى السائق أن يسلك طريق العودة وبسرعة،كان الزمن يمر بصعوبة ورتابة،كيف يحصل خطأ كهذا،هذا إهمال من المشرفين،وصلوا بعد طويل عناء،إلى مكان توقفهم في المدينة هرع جميع المشرفون،إلى المحلات التي ارتادها الأطفال،وجودوها في أحد المحلات،كان صاحب المحل يرعاها ويُهدأ من روعها،بيدها ماسورة سكاكر،وقد اغرورقت عيناها بالدموع
ضمتها المشرفات إلى صدورهن،وربَّت المشرفون على رأسها وكتفها،بدأت الجوقة بالغناء للإحتفال بسلامة سوسن،حتى الطبل والترمبيت شاركا،وصلوا حلب ظهراً،ارتاحوا في أحد منازل معارف المشرفين،احتسوا القهوة والشاي،ثم اكملوا المسيرة،إلى استراحة معرة النعمان،كان الوقت بين العصر والمغرب،جاؤوا بطعام الغداء من الاستراحة،
فراريج مشوية،وخبز(معراوي واسع الرغيف رقيق،كثيف النخالة،لذيذ الطعم )
اجتمعت الأفواه الصغيرة تزدرد الطعام  الشهي،بعد سفر يوم طويل وشاق،كان غداءً متأخراً،التهمه الصغار بسرعة،ثم أعلن كابتن الرحلة الإنطلاق،وهكذا انسابت المركبة تحت جنح الظلام،حيثُ وصلت في الليل،كان مشرفون أُخَر بانتظارها وكثُر
_إلى المطبخ للعشاء صغاري
كانت هناك طاولات كثيرة،عليها البيض المسلوق والزيتون والجبن،وعليها أيضاً صحون الرز بالفول و كثير من اللبن الرائب،كانت المشرفات يتجولن بين أنساق الطاولات،يحثثن الصغار على تناول الطعام،ويساعدن في خلط الرز باللبن لمن أرد،انتهى العشاء،ثم تناول الجميع الشاي الساخن،وتم تو زيعهم على المهاجع
للنوم،كانت الأسرة طابقية،على غرار أسرة الجنود،وفي كل طابق ينام طفلان،كان سرير محمود في الأسفل،ومعه رفيق له،وفي الأعلى أيضاً اثنين وهكذا دواليك،كان أطفال الريف لم يعتادوا نوم الأسرة،اعتادوا النوم على الفرش الأرضية،وكثرة التقلب،في الأعلى،كان طفل من عمر محمود،رائد على آلة الربابة الشعبية والمشهورة في مناطق الفرات،كان بارعاً في العزف عليها،يتقن الموليا والنايل والعتابا واللكاحي وغير ذلك،ولقد أمتعهم بسهرة بسيطة وقصيرة قبل النوم
بعد منتصف الليل أفاق المهجع الطفولي على تأوهات عميقة وأنات،تشبه الأنات التي يرفقها شعراء الربابة مع ألحانهم،كانت عزف منفرد وغناء حزين لزميله الذي وقع من أعلى،وقد تدحرج وهو يظن نفسه على فراش أمه الصوفي الوثير الناعم العريض،تم إبلاغ إدارة المهجع،أجريت له الإسعافات الأولية،لقد حفظته ألطاف الرحمن،فلم يكن في عظامه كسر،أو في ضلوعه شج،مجرد رضوض،أعطوه المسكن وأعادوه للنوم هذه المرة في الطابق السفلي،من حسن حظ عازف الربابة هذا أنه كان وحيداً في هذا المجال،لم يكن له منافس،وكان محترفاً جداً،ففاز دون منازع،ربما كانت بروفة بعد منتصف الليل إبَّان الوقوع،جعلتهُ عاطفياً أكثر في تأوهاته،أمضى الأطفال ثلاثة أيام،انهوا أختبارين أحدهما بقانون الطلائع،والآخر بمادة الاختصاص،ثم قفلوا راجعين... طبعاً كان محمود من جملة الذين تفوقوا،وصل أترابه الصغار،ولا يزال لُدَّاته يشكرون له الهدايا التي جلبها لهم من هناك،وهي عبارة عن ألعاب صغيرة الحجم فرحوا بها كثيراً،كان أشدهم فرحاً أمه وأبوه اللذان حمدا الله على سلامته،وشكراه على توفيقه لابنهما 
************
مع تحيات الشاعر والكاتب عبد خلف حمادة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

. بقلـــــ♥ــــــم الشاعر غازي أحمد خلف

الشاعر شعبي مطفى

يا ساقي كأس ألصبر أسكب وأملأ ولا تسولني ولا دًق باب محاني ولا تعرف مناش أنعاني ساكن وحدي مانعرف جيراني ومن أحلامي مهاجر مكاني نفكًر ألهمً إل...