. المصير
كان يوم التخرج من الجامعة حافلا و مليئا بالطلاب و الأهالي الفخورين بأبنائهم الذين توجوا تعب سنوات بنجاحهم الباهر، فاحتفل الجميع بقضاء أوقات ممتعة و رائعة ما بين تلقي التهاني والتبريكات و توديع مدرجات الدراسة التي شهدت على ذكرياتهم المليئة بالنجاحات و القليل من الخيبات.
و من بين هؤلاء الذين كللوا فرحة التخرج يومها كان "أيمن" يتوق شوقا للقاء زميلته "جوليا" زميلة الدراسة في كلية الزراعة التي رافقته في معظم المشاريع و التي شاطرها أحلامه المستقبلية و ما كان يخطط له بعد التخرج.
كان يكن لها مشاعر حب صادقة و دافئة لكنه لم يتجرأ يوما بالبوح عنها بشكل صريح. و كانت جوليا أيضا تبادله نفس الإعجاب لكن بدون أي تلميح واضح.
لمحها واقفة مع بعض الزميلات مبتسمة و مشرقة، فتقدم منها مهنئا و مباركا حاملا معه باقة ورد جمعت الأنواع المفضلة عندها.
استأذن من الأصدقاء بلباقة كي يتحدث معها جانبا فقال:
مبارك لك هذا التفوق جوليا، اليوم هو أسعد أيام حياتي.
فقالت و الخجل يعلو وجنتيها:
مبارك لك أنت أيضا أيمن هذا النجاح الباهر، أنت تستحق كل التقدير. شكرا جزيلا لك على هذه الباقة الجميلة، كلفت نفسك.
فقال: هذه الباقة ليست إلا جزءا بسيطا و ضئيلا مما أكنه و أحمله بداخلي من مشاعر حب اتجاهك.
تفاجأت جوليا ببوح أيمن لها، لم تكن تتوقع منه هذه الخطوة. فالتزمت الصمت.
فأطرد قائلا: أريد أن أتقدم لخطبتك إن لم يكن لديك مانع.
فرحت جوليا و كادت أن تعانقه أمام الجميع، لكنها استدركت الموقف قائلة: هذا يوم المنى يا أيمن، ما أسعدني بسماع هذا الكلام منك.
استمر الحوار بينهما لبضع دقائق ثم افترقا بعد أن وعدها أيمن بأن يفاتح والدته في الموضوع ليعود و يحدد معها موعدا قريبا لزيارة أهلها و طلب يدها.
عاد أيمن إلى المنزل و السعادة تتراقص من عينيه، فلاحظت والدته عليه هذا الكم من السرور. فسألته: خيرا يا بني؟ أراك في قمة سعادتك و هذا من حقك فهو يوم مميز جدا لك. لكني أشعر أن ثمة أمر آخر تخفيه عني.
فقرر أيمن أن يخبر والدته عن جوليا، و كيف يراها فتاة أحلامه و أنه يحبها و يريد أن يتقدم لخطبتها لتكون شريكة حياته و أما لأولاده.
لكن رد فعل هيام والدة أيمن كان صادما. لم يعجبها ما سمعته فتجهم وجهها وقالت:
لكن أنا من ستقرر أي فتاة تتزوج و لقد اخترت لك صفية ابنة خالتك لكني كنت أنتظر يوم تخرجك كي أخبرك بأننا سنقوم بزيارة عائلية لهم كي نطلب يدها.
انصدم أيمن من كلام والدته و قرارها و رفض ما تقوله باعتبار أن هذه حياته و هو فقط من يحق له تحديد مصير حياته و مع من.
استأذن والدته وانصرف لغرفته يرتاح على أن يتابعا الحديث في وقت آخر
عندما حل المساء كانت الأم قد حضرت طعام العشاء ونادت على أيمن للحضور،
وأثناء جلوسهم على المائدة تابعت الأم حديثها عن الزواج و تكلم أيمن بكل هدوء مع والدته يوافقها الرأي ويراضيها ويطلب عدم الإستعجال وإنشالله يكون الخير فيما اختار الله؛
اطمنئت الأم وظنت أن إبنها قبل الزواج من صفية إبنة أختها.
وفي صباح اليوم الثاني ذهب من أجل الحصول على الوظيفة المخصصة له بموجب شهادته في إحدى دوائر الدولة وهناك قابل حبيبته جوليا التي كان تعيينها بنفس المكان ؛
كان اللقاء غريب يسوده قلق من جانب أيمن حيث قام بالتحية عليها بشعور من الإحراج استغربت جوليا وسألت أيمن ماذا بك ؟
أأنت مريض أوتعبان !
قال لها أمور عائلية نتكلم بعد العمل و تواعدا على اللقاء بانتهاء عملهم؛
وفي كافيتريا مجاورة لمكان عملهم بدء اللقاء بنظرات حميمة وأنفاس تعلو وتنخفض بتوتر
قالت جوليا أيمن مابك لماذا أنت قلق لم أراك يوماً على هذه الحال؟
قال أنا محرج مما سأقوله وأرجو أن تسمعيني جيداً ولا تقطعي كلامي حتى ينتهي
قالت أسمعك تحدث ؟
قال مبارح وعند وصولي للمنزل كلمت أمي عن رغبتي بالزواج وقد فرحت كثيراً و قبل أن أتلفظ بإسمك ،
قالت هذا اليوم الذي كنت أنتظره عروسك عندي !
وتابعت اخترت لك صفية إبنة خالتك حلوة ومثل القمر وأنا بحبها كثير .
كلامها صدمني كثيراً
وأخبرتها أنني لا أحب ابنة خالتي صفية و قد غضبت مني و تشاجرنا و هي تصر على ما تريد وإلا تغضب عليّ وأنا الآن محتار لا أحتمل غضبها ولا أحتمل التخلي عنك وانكسار قلبي ؛
لا أحب خسارة أحد منكم وهذه مشكلتي !
أرجوك هاتي الحل إذا عندك تدبير .
قالت جوليا الله يكون بعونك حبيبي الوضع صعب طول بالك كل شيء وإله حل بس حاول تاخذ أطول وقت من والدتك بشأن الزواج ربما يكون الحل مع الوقت ؟
و تعاهدا بالتفكير لحل لمشكلتهم ؛
وذهب كل منهم لمنزله.
جوليا اعتادت الصراحة ومشاركة الأحداث مع والدها ؛
وعند وصولها للمنزل سألها لماذا التأخير قالت على الغداء بحكيلك كل شيء
ثم روت له قصتها واعجابها وحبها لأيمن وموقف والدته الغريب ومحاولة تفريقهم
الأب قال أريد رؤية أيمن ووالدته وطلب من جوليا بدعوة أيمن ووالدته لزيارتهم بأقرب وقت.
ولما وصل أيمن للمنزل وجد والدته تنظره من أجل الغداء وسألته كيف كان يومه الأول
وأجابها الحمدلله عمل جيد والأمور عادي
تابعت بالحديث هل فكرت بموعد زيارة بيت خالتك
قال نذهب ولكن ليس الآن أمهليني بعض الوقت وبتكوني راضية
وانهى الطعام وذهب لغرفته يرتاح ويفكر بمخرج للمشكلة،
وخطرت له فكرة أن يقابل ابنة خالته صفية ويخبربها بأنه يحبها كأخته و لا يحبها بمعنى العشق
ثم ورد اتصال من جوليا تطلب منه أن يحضر والدته لزيارتهم بناءاً على دعوة والدها للعشاء
ولا يخبر والدته عن حبه لها
على أنها دعوة تعارف لا أكثر وقت يحدد لاحقاً
وأثناء الحديث أخبرها عن فكرته مصارحة ابنة خالته بأنه لا يحبها قالت ممكن! جرب!
تودعا بالأمل بغدٍ أجمل ...
وتتالت الأيام ومازال حديث الأم لا ينقطع عن صفية إبنة أختها وذكر أوصافها الجميلة من وجهة نظرها طبعاً وأيمن يسمع ويصمت ويهز رأسه....
وفي يوم الجمعة
اتصل بصفية إبنة خالته وواعدها بحديقة قريبة من منزلهم ولما فتح مع الحديث قالت أرجو ألا تفهميني غلط أنت فتاة جميلة ورائعة ولكن والدتي ترغب في تزويجي وأنا لست مستعداً للزواج الآن ؛
قالت هي أنا أفهمك أنت تحب فتاة أخرى وتود أن أرفضك
قال بصراحة نعم
قالت وأنا أحب شاب ويحبني ولكني لا أستطيع مصارحة أهلي
لا تقلق أنا لن أقبل بك وسأخبر خالتي بذلك فهي تحبني
اعتمد عليّ
سره ما سمع وشكرها كثيراً
و ودعها وذهب للمنزل
ولدى وصوله وتناول الغداء مع والدته فتحت موضوع الزواج
قال أرجوك أمي تكلمي مع صفية قبل أن تتكلمي مع أهلها لنعرف رأيها ولا تجبر من قبل أختك أرجوك أرجوك
قالت نعم لك هذا
وذهبت بزيارة معتادة لمنزل اختها
وجلست على انفراد مع صفية بغرفتها
وسألتها عن رأيها ب أيمن و إن كانت تقبل الزواج منه
وهنا
ردت صفية على خالتها
أيمن من خيرة الشباب الله يحميه ويوفقه ويبعث له الزوجة الصالحة
وقالت الأم وماذا عنك
قالت خالتي أنا تربيت مع أيمن هو مثل أخي ولا أحبه بمعنى الحب
أرجوك لا تغضبي مني أنت حبيبتي خالتي
وعادت الأم إلى المنزل وهي متوترة قليلاً
عرف أيمن الجواب ولكنه فضل عدم سؤالها حتى تتكلم من تلقاء نفسها
وفي اليوم التالي وبينما هم على مائدة الغداء لم تتكلم الأم عن الزواج وكانت أحاديثها عن عمله وان كان مسرور
وأخذت الأيام تمر بشكل روتيني
وبعد أسبوع تكلم مع والدته قائلاً ماما لدينا دعوة للغداء بمنزل صديق وانت معي أرجو أن توافقي
قالت وما شأني بأصدقائك أن ست كبيرة وأنتم شباب
قال أنا بتشرف فيك وصديقي هذا ليس صغير
أرجو أن توافقي
قالت نذهب كما ترغب حاضر
ولما حان الموعد تجهزت بكامل أناقتها وقد جاملها ابنها بمغازلة لطيفة
وذهبوا إلى منزل جولياً وبعد السلام والكلام وتناول الطعام كان توقف الفكر ومراجعة الذاكرة للماضي وهنا كانت المفاجئة
تذكرت هيام السيد تامر والد جوليا و قالت أتتذكرتني يا تامر ثم ساد الصمت قليلاً و تامر يتحقق ماسمع ثم تكلم أنت أنت هيام
هزت برأسها نعم أنا هيّ؟
( كان السيد تامر والد جوليا و الست هيام هما الحب القديم الذي فرقه الأهل والعادات ورغبة الأم في تزويج ابنها على طريقتها )
تابع السيد تامر كانت أيامنا جميلة ولكن للقدر فعلته
لو يعود الزمن لا ولن أتخلى عنك ولو كل الأمهات غضبت مني العمر ليس تحقيق رغبات وانما حب وأمنيات
--استغرب أيمن وجوليا مما سمعا وكأن الزمن يعيد نفسه
وغمزا بعضهما وكأنهم اتفقوا على حديث بلحظات
قال أيمن أرجو للصدفة أن تكون خير لنا جميعاً وأن لا تفرقنا الأيام
قالت الأم ماذا تقصد استحي يا بنيً
قال لا يا أمي أقصد أنا وجوليا نحن نحب بعضنا
أرجو أن لاتسمحي للماضي أن يتكرر
هنا الأم هيام أصابها الجمود وأخذت وقتاً لتتكلم؛
ثم قالت ما يهمني في هذه الدنيا سعادتك أرجو لك السعادة مع من تحب
لن أكرر ما حصل معي
وها أنا أطلب يد جوليا من والدها
ليبارك حياتكم الله
د. غانم ع الخوري ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق