( هروب سومري إلى بغداد )
قِفَيّ نُوَدعَ رَيَّعَ صِبَّاها *
المازج طينتي بعطرِ فَاها
ونَهجِرُ مُرُوجاً غَدَت فَلاةّ
منِ عُجفِ المُحَالِ غَفَى زُهاها
يَختَالُ السَّحَابُ إذا مَرَ نِهَا
وكُلَّمَا ظَمَأ أحتَسَى بُكاها
وَلَّمَا عَمَّ بالشُعَابِ غَيَثَهُ
عَكَسَ مَسَارَهُ عَن مَرعَّاها
فبتُّ لِمَهجِعِ القُنوطِ الوَكرُ
حِيِّنَ لبِيسَ الرَمَادُ عُراها
لكِنَنيِّ حَبَستُ جَهشَ العِبرَةِ
بِنَفسٍ كَادَت تَنزَفَ قَواها
وعجلتُ الرَحيلَ ولن أعيُّ
إنَ للعثرَةِ ،،، أزيزٌ لِصُداها
وَرَكِبتُ صَهوةَ الغبطَةِ فَرِحَاً
مَعَ أطيَافي أُسَابقُ رُؤاها
خِلَّتُ إذا بَعِدتُ سَوَفَ أنسى
هَزَائِمٌ بِتُّ سَجِينَ كُراها
وَتَوَهَمَ ظَلَّامي سَوفَّ يَرى
دُجَّى العُتمَةِ مَثلَ ضُحاها
فإذا السُئمَ رَفَيقَ الظَلَّ
والروح طيرٌ بظلِّهِ تاها
وإذا اللَّيلُ الآكلُّ الكُرى
ليسَ لهُ فجرٌ يجلي دُجاها
كأَنَّما جَلبتُ نحسَ نجمَتي
كُلُ ما سِرتُ ،، أمَاميَ أراها
لأنّي السومريُ نَبتُ الردى
قَحطُ المَواسِمِ الفاطمُ ثُرَاها
أنَّا الجنُوبيُّ صَريعُ النُهى
حَرثُ الوغى وخِصبَ دِماها
قدّ نثرَّ الصَبرُ بِكُلِ أرضٍ
وَأسرفَ الدُموعَ عَلى نَجواها
كانَ حَلَمهُ يطوفُ حَولَ نفسِهِ
وفَزَّ جوعَهُ مِن حَرِّ لُظاها
****************
آهٍ يا بَغدادُ يا حُلمَ كُلِّ
عَاشِقٍ يَسكُنُ قَلبَهُ هَواها
أنتِ رَعشَة الشِفاه الظامِئَة
وَصَلاة القُبَّل على شِفاها
يا هالة الفَجر وسرّ وَهجَهُ
وَمِلءَ الكَونِ ضَيِّ سَّمَاها
أرأيتِ لَّيلٌ يبق واقِفَاً
حَتَّى يَرتَدي النَجمُ ضِيَاها؟
دعيِّني أدفأ رَجيفَ غُربتكِ
يَا خَميلَتَي المَسلوبَ غُطاها
وَيتوضأ الشَوق بفم شَّمسُكِ
المُستَبَاحُ صَباحي مِن رُؤاها
دعيَّ لهفَتُكٓ تَقتَصُ لَوعَتي
السَاهِرَ الوَسَنُ عَلى شَكواها
فَكَم جَرَت وَراءُكِ مَشيئَتي
وَتَوَرَمَت الأقدامُ من مَمشَاها
وَأطلقتُ أليَكِ زِمَامَ لهفتي
لكنَّي لم أحَظ سِوى سُراها
*****************
إلى مَتى يَسرِيَ بِي السُرى
وَقَد عَنَّ الصَبرُ مِن عَنَّاها
أيُذعِن لِصوتِ الرُحى طُموحَهُ
الضَالّ دَربَهُ في غُرِّ فاها
أمّ يَبَق حَطَباً لُعُطبِ الغُربَةِ
المُتَشظية روحي من لُظاها
وَأجتَرِع السُقمَ وغُصَصَ دُّنا
يَظِنُّ جَلَيسيَ نِلتُ رِضَّاها
كغِناءِ طَيَّرٍ أسِيرَ القفصِ
لايفقَهُ السَامِعُ حُزنَ لُغَاها
اديب داود الدراجي
قِفَيّ نُوَدعَ : خطاب للروح
رَيَّعَ صِبَّاها : محافظة الناصرية التي ولدت وترعرعة فيها
وعجلتُ الرَحيلَ: الهجرة الى العاصمة بغدادالل
