بدت كأنها أوهام
شتاء بارد .. ثلوج لا تتوقف ... الصقيع
قلب ببرودة الفصل
حتى الموقد المشتعل ... و النور المنبعث منه لا ترى منه سوى وجه متعب .. عليه عبوس الزمن ..
تلك اليد المليئة بالتجاعيد ... تجاعيد العمر .. و تجاعيد الأسى ...
كانت الوحدة هي الأكثر في تسجيل خطوط التجاعيد ..
في هذه القرية المهجورة .. التي لا يوجد فيها إلا القليل من البيوت ... و بالقرب من شجرة الصفصاف العالية .. بيت ممزق ... متصدع ... لا يحمل بداخله إلا موقد النار و جسد عجوز يحمل كتبا من الزمن الغابر ...
لا أحد يصل إليه ... حتى الابن الوحيد لها قد هاجر بلا عودة ... مخلفا خلفه إرهاقا لا يمكن للأيام أن تضمد جراحه ..
نزيف لا يتوقف و هو يتابع تلك التنهيدات المفارقة للحياة قبل الموت ...
بصعوبة تقوم بكنس غرفتها الصغيرة .. و تحضر وجبتها التي لا تتغير أبدا ... فدوما كسرة و لبن المعز ..
فلا مؤنس لها سوى المعزة التي تشرب من حليبها و لبنها .. و بعض الدجاجات .. صوتهن مؤنس له في هذا المكان المنفي حتى عن القرية الصغيرة و أهلها ..
بينما هي مكبة على وجهها و تتأمل نور النار و إذا بصوت يوقضها و بدت كأنها تتخيل ... ضحكت مع نفسها ...
قد بدأت أتخيل .. يبدو أني دخلت باب التخريف ...
ثم عادت إلى موضعها الأول .. و لكنها عاودت سماع صوت ينادي باسمها و يا جدتي فاطمة هل أنت بالبيت ...
هذه المرة قامت و هي ترتكز على عكازها لتفتح الباب ...
و إذا بها أمام شاب له ملامح جميلة .. اسمر البشرة .. طويل القامة ...
تمعنت فيه جيدا و قالت : محمد .. عدت يا محمد
ابتسم الشاب و أخذها في حضنه مباشرة
يا جدتي لست محمد إني ابنه فريد
ماذا؟
نعم إني حفيدك فريد
هل عند ابني ولد بعمرك و جميل هكذا
نعم يا جدتي و له أيضا بنتين
تعالى يا بني ادخل ادخل فجدتك وحدها
لقد عدت يا جدتي لأجلك
كيف تعود لأجلي و أبني لم أراه منذ ثلاثون سنة
لقد عدت لأفعل ما لم يفعله والدي
إني لا أحمل له في قلبي شيء من الغضب .. و لكني تمنيت أن أراه قبل موتي ...
سوف أخذك إليه .. فقد عدنا كلنا إلى الوطن
و هل سأعيش معكم
نعم يا جدتي فالكل ينتظرك
أخبرني كيف هو محمد
إن أبي مريض
ما به ؟ خذني إليه
سنذهب في الحال يا جدتي
و سيكون لك اللقاء بأسرتك الصغيرة .. فكلنا نحبك
ابتسمت العجوز فاطمة ابتسامة لم تبتسمها من قبل ... و اتكأت إلى الجدار و سلمت روحها لربها ..
طروب قيدوش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق