ارجوزة
الناسك و الشيطان
شعر : أحمد السيد
يُقالُ : في إحدى القرى المفتقرةْ
تَعبّدَ الناسَ بطيشٍ شجرةْ
طافوا عليها و لها النُّذورا
قد نَذَروا و علّقوا الأمورا
قالوا : هيَ الوسيلةُ المضمونةْ
تغدو الحياةُ باسمِها ميمونةْ
حتى إذا ما صِيتُها قدْ وَصَلا
لناسكٍ منقطعٍ تَبَتُّلا
متَّخذٍ صومعةً فوقَ الجبلْ
بالزهدِ و التسبيحِ يمضي للأجلْ
- ما هذهِ الشجرةُ الملعونةْ؟
تُشعلُ في اعتزالِهِ جنونَهْ
يا ربِّ ساعدْني لكي أجتثُّها
كي يعرفَ الناسُ الذي قدْ بَثَّها
و حَمَلَ الناسكُ و هْوَ يَنزِلُ
فأساً و عزماً مسرعاً يُولولُ
فوقفَ الشيطانُ في طريقِهِ
بلهجةِ الناصحِ مِن صديقِهِ
يقولُ : ما الذي تُرى قدْ غَيَّرَكْ
لتتركَ الذروةَ تبتغي الدَّرَكْ ؟
فقالَ و العينانِ تقدحُ الشررْ :
ألمْ ترَ الجهلَ استطالَ و انتشرْ ؟
قدْ نسيَ الناسُ الذي بَراهُمو
و جَعلوا توحيدَهُ وراهمو
طافوا على شَجرةِ البُهتانِ
بوسوساتِ المارقِ الشيطانِ
فانتفضَ المارقُ في تعجّبِ :
و ما الذي يُؤذيكَ إنْ لمْ تَقرب؟ِ
إنْ أنتَ لم تُشركْ و لم تنافقِ
فأوكلِ الخَلقَ لأمرِ الخالقِ
أجابَهُ الناسكُ : هذا مُنكرُ
و إنّهُ بقبضتي يُغَيَّرُ
ما ذا أجيبُ اللهَ عن سؤالِ :
كيفَ تركتَ القومَ في ضلالِ ؟
أ تنصرُ الشيطانَ بانسحابِكْ
ما فرقُ أن تعيشَ مِن غيابك ؟
فأفصحُ المَريدُ : إنّي أمنعُكْ
و بأسُ شيطانٍ بحزمٍ يردعُكْ
تعالَ فاصرعْني بطيشٍ يدفعُكْ
لقطعِِها أوْ إنّني سأصرعُك ْ
و التحما بجولةِ المصارَعةْ
فحلَّ بالشيطانِ شرُّ قارعةْ
فقالَ و هْوَ ساقطٌ مغلوبُ :
يا سيّدي .. سَلامُنا مرغوبُ
تُقادُ خيلٌ بالعصا القويّةْ
حيناً و بالجَزَرةِ الشهيّةْ
إنْ شئتَ أنْ ترجعَ أعطِكَ الذهبْ
تنفقُ منهُ صَدقاتٍ و تَهَبْ
نَمْ هانئاً حتّى تُفيقَ و اكسبا
في كلِّ يومٍ في الفِراشِ ذهبا
في ذمّتي إنْ عُدتَ دينارانِ
كلَّ صباحٍ لكَ يَبرقانِ
بالمالِ تقوى و تنالُ التقوى
و تدعمُ الناسَ لصدِّ البلوى
فالمؤمنُ القويُّ خيرٌ و احَبّْ
فلا تُضيّعْ فرصةً بِلا سَببْ
فصرخَ الناسكُ : مَن يُصَدِّقُ
إبليسَ و هْوَ بالخداعِ ينطقُ ؟
فقالَ : جرّبْني و إلّا عُدْ إلى
ما شئتَ و اقطعْ ما تَراهُ هُبَلا
و بعدَ أنْ تعاهدا تصافَحا :
غداً أراكَ خائناً أو ناصحا
و عادَ شيخُ الغفلةِ المسكينُ
و نامَ و استيقظَ .. يا لعينُ !
و قالَ : فعلاً صَدَقَ الكذّابُ
هذانِ دينارانِ لا سَرابُ
رَكِبْتُ إبليسَ لأجلِ الخيرِ
و ما استطاعَ فِعلَ هذا غيري
و نزلَ السوقَ اشترى ما يشتهي
و حَدُّ ما يرومُهُ لا ينتهي
أعطى المساكينَ و راقَهُ العَطا
يغفو نشيطاً و يقومُ أنشطا
و هكذا ابتسمتِ الحياةُ
لهُ و ظنَّ أنّها الجنّاتُ
و بعدَ شهرٍ عاشَهُ نعيما
أفاقَ لكنْ ما رأى المعلوما
قدْ قلبَ الفِراشَ بحثاً خائبا
فحملَ الفأسَ و هبَّ غاضبا
- أينَ تُرى تسرعُ بانجرافِ؟
سألَهُ إبليسُ باستخفافِ
فقالَ : لا تدري ؟ لهذي الشجرةْ
أقطعُها لكي أنالَ المغفرةْ
فضحكَ الشيطانُ : إنّي أمنعُكْ
و قوّتي الآنَ يقيناً تصرعُكْ
فأسرعَ الشيخُ إلى العِراكِ :
سأسحقُ اللعينَ باشتباكِ
غلبتُهُ و كنتُ قبلُ جائعا
و اليومَ نصري سيكونُ قاطعا
و التحما بجولةِ المصارعةْ
فحَلَّ بالناسكِ شَرُّ قارعةْ
فطلبَ الشيخُ العِراكَ ثانيةْ
فخرَّ مهزوماً بظرفِ ثانيةْ
فقالَ : صارعْني رجاﺀً ثالثةْ
فنالَ بالسقوطِ كلَّ الكارثةْ
فقالَ و هْوَ ساقطٌ مغلوبُ :
إنَّ الذي جرى لنا عجيبُ
ما ذا فعلتَ أيُّها الشيطانُ
حتّى هَوى ببأسِكَ الإيمان ؟
ردَّ الكذوبُ صادقاً مُجيبا
بحكمةٍ تُقَطِّعُ القلوبا :
حينَ غضبتَ قبلُ للعقيدةْ
هزمتَني بالقوّةِ الفريدةْ
لكنّكَ اليومَ أتيتَ غاضبا
تثورُ باسمِ الدينِ زُوراً كاذبا
مثْلُكَ كالدَّجاجِ و النِّعاجِ
يأكلُ للذبحِ بِلا لِجاجِ
حلب : 2021/1/30م
(الناسك و الشيطان) حكاية من التراث الشعبي المصري صاغها بلغة المسرح توفيق الحكيم و نظمتها شعرا