لست أنساه (ج 1)
حين غدا الوداع وشيكا
توشحت الصبر وشاحا
و امتطيت صهوة الرحيل
مسافرة بعيدا عن دنياه
أشق عميق الغيمات العاتمات
وشديد رياح الحنين العاتيات
التي لا تتوانى عن اغراقي
في دوامة أشواقي لشذاه
بيني وبين خط الوصول
انواء تيه و أعاصير
لفحات لهيب وهجير
و ضباب يلف الأثير
يحجب درب المسير و يغشاه
في لجة السكون
لا يسمع سوى خرير الجفون
وهدير أمواج الشجون
المتلاطمة على ضفاف
سواحل هجراه
رغبتي الملحة
في تجاهل الأمس
تجر خطاي الى مطبات
الطريق واذاه
كلما نازعتني أهواء النفس
ودنوت من ذروة اليأس
ألتمس من السماء
زخات أمل تبلّ روحي المنهكة
و دربي القاحل البائسة ثناياه
و أواصل المضي قدما
في دروب غربتي العتيقة
أعبر مسالك حيرتي السحيقة
و ممرات المجهول المخيفة
المترعة بضجيج الحياه
اراوغ خوفي وترددي
ألتحف دياجير السهدِ
واغوص في دهاليز ذاتي
لأسبر غمار قلبي و ما اعتراه
فيهالني ما استفاض به من ألم
و ما حل بمشاعر الروح من عدم ...
مشيت ألف درب ودرب
وعن مأربي ما انثنيت
لكنني علقت
في أول تفاصيل ذكراه
حين وطئت قدمي
جسور الذكريات
المعلقة على شواهق جبال الآه
كالعصفور في الشباك
تخبطت شوقا
انتفضت هلعا
استنجدت بجناحي حريتي
لأرفرف و احلق عاليا
و بين افنان خواطري الباسقة
احتميت تهربا
من ملامح طيف يلاحقني
ليرتسم ثانية
في علياء مخيلتي وأراه
وفي حفيف أوراق ذاكرتي
أسمع وجيب قلبه
وترددات صداه
فتعانق لهفتي السماء
و يفوح في الأرجاء
عطر لقياه
طويل جدا طريقي
قد لا أدرك منتهاه
مغبشة و مشتتة
و غامضة جدا
الرؤيا في الأفق
لا تنذر بتباشير نجاه
أراني لست أنساه
مهما أوغلت في السفر
و مهما عاندت قدري
و مهما طال هجري
و بلغ مداه
و كأن اليأس بدأ
ينال مني مبتغاه !...
(يتبع)
دنياس عليلة / تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق